المتابعون

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

"العملية أرماتان" بين حساب حقل ليبيا وبيدر فرنسا !

 بعد شهر ونصف من تدخلها العسكري بليبيا، كشف وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغي، للجنة الدفاع القومي، أن فاتورة عمليات القوات الفرنسية، التي انطلقت يوم السبت 19 مارس الفارط، قد بلغت حتى الآن 50 مليون يورو. حول التكلفة ذاتها ورد بمقال ماتيلد غولا، الصادر بصحيفة لوفيغارو، أن الصورايخ التي قذفتها الطائرات المقاتلة الفرنسية، ناهز ثمنها 30 مليون يورو، علما أن الصاروخ الواحد حوالي ثمنه مليون يورو. يضاف إلى ذلك كلفة تشغيل الأسطول الجوي: بحيث تُقدّر ساعة الطيران الواحدة للمقاتلة رافال،  بحوالي 40.000 يورو. أما ثمن ساعة تشغيل حاملة الطائرات شارل ديغول، فتُقدّر قيمته بـ: 50.000 يورو. الفاتورة  تشمل أيضا المنح المدفوعة للعسكريين المشاركين في العمليات، التي بلغت قيمتها  10 مليون يورو. لم تضع الحرب أوزارها بعد، و لا ينتهي يوم دون أن تتضاعف الفاتورة، ومهما بلغت التكلفة النهائية، فإن هذه المبالغ الطائلة، التي لم تكن في تقديرات واضعي موازنة وزارة الدفاع، لا بد لفرنسا من تغطيتها. بالعودة للموقع الرسمي لوزارة الدفاع الفرنسية، نلحظ أن الموازنة المخصصة "للعمليات الخارجية" لسنة 2011، قُدّرت بحوالي 900 مليون يورو، مبالغ اعتمدت تقريبا جدولة السنة الماضية، التي رصدت 500 مليون يورو لأفغانستان.
وإذا كان وزير الدفاع الفرنسي، جيرار لونغي، قد ضمن مبلغ 630 مليون يورو، وتعهّدا من منظمة الأمم المتحدة بمساهمة قدرها 50 مليون، فإن الفارق بميزانيته يناهز مبلغ 220 مليون، دون أن نضيف تكلفة العملية أرماتان، l'Opération Harmattan ، (الريح الأفريقية القادمة من الغرب)، التي تدور رحاها في ليبيا، والمرشحة للتضاعف والتضخّم. بخصوص التسمية التي اختلفت من عضو بالحلف الأطلسي إلى آخر، وإن اتفق جميعهم حول التدخّل، كل ووسائله وغاياته وفهمه للقرار 1973 الذي أريد له أن يصاغ بتلك اللغة حمّالة الأوجه لتطويعه كلّما اقتضت الضرورة وتبعا للوقائع الميدانية على الأرض ودون الرجوع للجماهير بليبيا. فكان أن ترك البريطانيون للحواسيب مهمة اختيار الإسم، وكان أن استقرّ منطقه الافتراضي على مصطلح عديم المعنى، تمثّل في: "الاّمي، Ellamy". وفي فرنسا تكفّل مركز التخطيط وقيادة العمليات (CPCO) بذلك فاختار اسم: أرماتان، (ريح أفريقية تهب من الغرب)، مستأنسا بتقليد جرت عليه عادة العسكريين الفرنسيين الذين يعتمدون في تسمية هجماتهم أسماء لعناصر الطبيعة أولا، مع مراعاة عدم المساس بمشاعر أو إحراج أحد، ثانيا، كما يوضّح ذلك جون فانسون بريسي، المختص في الشؤون العسكرية  والدفاع بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، Iris.  أما وزارة الدفاع الأمريكية، فتعتمد، على عكس البريطانيين والفرنسيين، أسماء تعكس العقيدة أو الأيديولوجية المُتّبعة. ولئن بدت أحيانا نظرية فإنّها ترشح مضامينا ودلالات. الأمثلة عديدة وآخرها: "العملية فجر الأوديسا، Operation Odyssey Dawn" التي تمّت صياغتها بالرجوع إلى أسطورة رحلة "ايليس" الباحث عن حبيبته "بينيلوب" طوال 10 سنوات ليلحق بها أخيرا حتى مجاهل ليبيا، عفوا، "ايتاك". 
وزارة الدفاع الفرنسية لم تعلن بعد عجزها لعدة اعتبارات أولها ألاّ مجال للتشويش على المغامرة الفرنسية مخافة أن يُنعت الشخص أو الحزب الذي يثير هذا الملف بالخيانة وانعدام الوطنية، لكن إلى متى ستستمرّ سياسة التحايل باقتطاع النسبة المرصودة لتكاليف التدريب والتأهيل لتغطية مصاريف عملية كالريح هي الأخرى غير مأمونة العواقب؟ النسبة التي رُصدت لتدريب جيش رأينا مدى الصعوبات التي واجهها ولا يزال بأفغانستان، هي الأخرى لا تفي بالغرض، وسيصعب تأمينها في ظل الخيار التقشّفي الذي تنتهجه حكومة ساركوزي.
ترى على من تراهن فرنسا لتسديد تكلفة حرب "المناولة" التي تخوضها دون أن تضمن قطف ثمارها؟ من يطّلع على كتاب بيار بايون، : "المجزرة...الحروب السرّية للقوى الكبرى بأفريقيا"  يدرك أسرار استراتيجيات واشنطن لكنس فرنسا من جيوب تركتها الاستعمارية، أو ما تعتبره مجالها الاستراتيجي الحيوي. حرب ضروس يحاول ساركوزي أن يعيد من خلالها هيبة فرنسية مفقودة ولو كلّفه ذلك التشبّث بتلابيب التنّورة الأمريكية. هل تطمع بتغطية خليجية لكافة المصاريف، كما جرت العادة في حروب بالوكالة موّلها النفط، أم أن ذلك السخاء العربي حكر على واشنطن؟ هل تأمل فرنسا في تأمين الحصة الأكبر من كعكة "إعادة الإعمار" التي حُرمت منها بالعراق؟ أم في صفقات وعقود أمّنها "متعهّد" "الثورة" بي أيتش آل، برنارد هنري ليفي؟  حتى الآن وإذا أخذنا بعين الاعتبار قول السيد علي الترهوني، صاحب حقيبة الاقتصاد والنفط في إدارة المجلس الانتقالي "إن السيولة التي لدينا في الداخل لن تكفينا سوى ثلاثة أو أربعة أسابيع على أقصى تقدير...اعتقد انه إذا حصلنا على خطوط الاعتماد من أصدقائنا في فرنسا وايطاليا والولايات المتحدة، فسنكون بخير، نحن نحتاج إلى 2 إلى 3 مليارات دولار"، يكون حساب حقل ليبيا لا ينطبق مطلقا وبيدر فرنسا.
هل تصدق المقولة المأثورة للفيلسوف الفرنسي فولتير،  "الكد لصالح ملك بروسيا"، في إشارة للملك فريديريك الثاني، الذي حصد ما خسرت من أجله فرنسا الغالي والنفيس، فتكون العملية أرماتان، المجهولة العواقب، كاسمها تماما، ريحا أفريقية صرصرا قد تعصف بالخزينة، أولا، وأحلام حفيد نابوليون، بولاية أخرى، ثانيا؟

المراجع:
1-     مقال آلان روالو، Alain Ruello، " La guerre en Libye a déjà coûté 50 millions d'euros "، الصادر بصحيفة لي ايكو،  Les Echos ، بتاريخ: 05/05/2011، الرابط التالي: http://www.lesechos.fr/entreprises-secteurs/air-defense/actu/0201346394255.htm
2-     مقال، ماتيلد غولا، Mathilde Golla ، "La guerre en Libye a déjà coûté 50 millions"، الصادر بصحيفة لوفيغارو، بتاريخ: 05/05/2011، الرابط التالي: http://www.lefigaro.fr/conjoncture/2011/05/05/04016-20110505ARTFIG00365-la-guerre-en-libye-a-deja-coute-50-millions.php
3-     راجع الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الفرنسية على الوصلة التالية: http://www.defense.gouv.fr/
4- لمزيد التفاصيل والتغطية الشاملة واليومية للعملية، يرجى العودة للرابط التالي: http://www.defense.gouv.fr/actualites/dossiers/operation-harmattan
5-     مقال: بلانا راديموفيك،Plana Radenovic ، : " Comment baptise-t-on une opération?  militaire " ، المنشور بموقع أوروبا1، بتاريخ: 21/03/2011، الرابط التالي: http://www.europe1.fr/International/Comment-baptise-t-on-une-operation-militaire-464531/
بيار بايون، Pierre Péan، " Carnages - Les guerres secrètes des grandes puissances d'Afrique، صادر عن دار : فايار، باريس 2010.

الزائرون

أرشيف المدونة الإلكترونية