المتابعون

الخميس، 15 سبتمبر 2011

وبكت تماثيل بغداد وساحاتها..

وبكت تماثيل بغداد وساحاتها..

في مشغله بحي المنصور ببغداد

زرع بغداد تماثيلاً ونُصُباً رائعة.. شهريار وشهرزاد، الجنية والصياد، كهرمانة، الأم، حمورابي، المتنبي، أبوجعفر المنصور...وعشراتٍ غيرها، وكان يحلم بمدينة مملوءة بالنُصُب، تروي قصة حضارة العراق عبر الزمن..
شارك في إنجاز نصب الحرية مع الأستاذ الرائد جواد سليم، وله عشرات المعارض حول العالم.. وأول عربي مسلم يصمم بوابات كنيسة في روما، و14 لوحة تحكي قصة درب الالام في الديانة المسيحة، ومصمم هدية العراق إلى مقر منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة ( اليونسكو) في باريس.
اليوم رحل محمد غني حكمت، عاشق بغداد وابنها، وعاشق الفن السومري والبابلي، ومجسد روائع ألف ليلة وليلة، رحل ذلك الرائع الودود، الذي يغمرك محبة ويُشعرك بالألفة، فور لقائه..

شهريار وشهرزاد
كنت أزوره في مشغله بحي المنصور، أحياناً بصحبة ولديَّ، قاصداً تعريفهما بمبدع عراقي كبير، وكان يحاول أن يحببهما في العمل الفني ويشرح لهما، برغم صغر سنهما حينذاك، رؤيته الفنية كما كان يشرحها لمتذوقي فنه الرائع، وكنا نتجاذب أطراف الحديث ونتحاور في أمور شتى، ولكنها تتمحور حول الابداع والفن ورؤيته الفنية وأعماله المستقبلية، وأهداني ذات يوم لوحة سومرية الملامح كتب اسمي بها، وتمثالاً شمعياً صغيراً، أحتفظ به باعتزاز..
رحل محمد غني حكمت، بعيداً عن بغداد التي وهبها من فنه الكثير الكثير..وصاغ لها أروع المنجزات الفنية، التي ستبقى تحكي للتاريخ قصة فنان عملاق، بدأ من طين ضفاف دجلة، واختتم مشواره في ذرى الخلود...

كهرمانة
تسبب الاحتلال الاميركي المجرم للعراق في أبريل/ نيسان 2003 بتدمير وسرقة 150 تمثالا من منحوتاته من البرونز والخشب والحجر و300 وساماً وميدالية وشارة من الذهب والفضة والنحاس والبرونز كانت معروضة في متحف ببغداد وتمثل معظم مسيرته الفنية، كما (اجتث) العملاء الطائفيون المتحكمون بالعراق بعضاً من أعماله الفنية الخالدة، الا ان محمد غني حكمت ظل يعمل بشغف وإخلاص آملا بالعودة الى بغداد ليكمل مشواراً بدأه قبل اكثر من ستين عاماً.
كان يأمل بأن يعود الى بغداد يوما لانجاز ثلاثة اعمال برونزية:
الاول تمثال للسندباد البحري عائم وسط نهر دجلة، والثاني نافورة مصباح علاء الدين السحري في ساحة الخلاني، والثالث لحرامي بغداد، تلك الشخصية التي اشتهرت في العصر العباسي، عندما كان يتلثم بالليل ليسرق أغنياء بغداد ويوزع بعد ذلك المال على الفقراء.
وبالفعل فقد كان أكمل كل المخططات واعدَّ المجسمات الصغيرة وكان يأمل ان تستتب الاوضاع في بغداد حتى يتمكن من انجاز هذه الاعمال، وماكان يدري انه سيرحل بعيداً عن بغداده الحلم.. التي يعبث بها أراذل الخلق الذين ماعرفوا للحياة ولا لمعاني الحق والخير والجمال طريقاً يوماً ما..
اليوم ستبكيك ساحات بغداد، التي طرزتها إبداعاً ومحبة، وستتلفت تماثيلك الخالدة تسأل المارين عن مبدع شفاف اسمه محمد غني حكمت، رحل عنها قبل أن يكمل رواية حكايات ألف ليلة وليلة، وستبكيك حتى قطعة الرخام العتيقة الضخمة التي ماتزال باقية على باب مشغلك في شارع 14 رمضان.. وسيبكيك الطين والحجر والبرونز والرخام.. وكل مبدعي (الأكاديمية) ومعهد الفنون الجميلة..وسيرثيك أبوالطيب المتنبي ويزورك أبوجعفر المنصور لقراءة سورة الفاتحة على ضريحك..
محمد غني حكمت، لانقول وداعاً، فكيف نودع من تصافح أعيننا أعماله كل يوم.. الخالدون لايرحلون يامحمد غني حكمت، وانما يترجلون نحو السماء..
وفي يوم تألقه صعوداً إلى دار الخلود، أستعيد حواراً معه جرى قبل أكثر من 10 سنوات..

مصطفى

ملاحظة من الناشر:


نشر موقع الفنون الجميلة مقال استذكارية مهمة لآخر ايام الراحل الكبير، كتبها الصحفي العراقي صبري الربيعي، ضمنها هذه الصورة، وهي الأخيرة، للفنان الكبير الراحل.
..........

النحات العراقي محمد غني حكمت
أعطني مدينة أزينها لك بالتماثيل

يعمل على بوابة تراثية

q ما حكاية حديقة العظماء ؟
q أدعو للاستفادة من الموروث النحتي وعدم النقل من الفن الأوربي
q النحاتون العراقيون لم يقدموا إضافات مهمة بعد جواد سليم
q أسعى إلى نحت الأفكار وتفجير قوة الخيال لدى الجمهور

ذات يوم تمنى محمد غني حكمت ، لو انه يملك مدينة ليزينها بالتماثيل في شوارعها وحدائقها ومدارسها .. وقال :
سأجسد كل ما في ذاكرتي من أساطير وحكايات في هذه المدينة لأجعل الإنسان يتفاعل معها ، حتى ملاعب الأطفال سأضع فيها تماثيل يمكن للطفل أن يلمسها ويلعب معها ، كما سأخصص جانباً من هذه المدينة لمعارض النحت في الهواء الطلق ومعارض لتجارب الشباب .
هذه ليست خيالات فنان ، فالنحات العراقي الرائد محمد غني حكمت يمتلك طاقة فنية هائلة وقد استطاع منذ تخرجه في معهد الفنون الجميلة ببغداد في العام 1953 أن ينجز مئات التماثيل الصغيرة والكبيرة وعشرات النصب الفنية ، وهو ما زال يُعدُّ أفضل نحات عراقي منذ تسلمه عام 1964 جائزة كولبنكيان الذهبية كأفضل نحات عراقي .
× سألته - قبل أيام - عن أمنيته بامتلاك مدينة يُحقق فيها حلمه ، فقال لي :
· إنني ضد فكرة وضع التماثيل ونصبها في الساحات ، لأنها ستنعزل عن الناس ، واقترح نصبها في المنعطفات والزوايا الفارغة ، على الأرصفة الفسيحة وحتى في المناطق الشعبية ثمة فراغات بالإمكان استغلالها ، وأتمنى أن تخصص أمانة بغداد حديقة كبيرة تحمل اسم (حديقة العظماء) توضع فيها تماثيل كل العظماء الذين خدموا التاريخ العراقي او العربي والإنسان في كل مكان ، وأن تكون تلك التماثيل نصفية وبالحجم الطبيعي ومن مادة البرونز مثبتة على قاعدة يكتب عليها اسم صاحب التمثال وتاريخه .
أبوالطيب المتنبي
× هل استطاع محمد غني حكمت أن يؤسس مدرسة في النحت ؟
· أدعو دائماً للاستفادة من الموروث النحتي العراقي ، كما أدعو إلى عدم النقل عن الفن الأوربي معتقداً أن الداعين إلى عكس ذلك يريدون محو هوية الفنان وجعله تابعاً ومقلداً وليس مجدداً ومبدعاً .
إن أعمالي يمكن أن تكون طريقاً لفكرة ( جماعة بغداد للفن الحديث ) واستمراراً لها 00 لقد اكتشفت إمكانية عمل التجريد في النحت الحديث من خلال مواضيع وأشكال محلية بدون أن أتطرق إلى أي نحات أوربي ، وقادتني تجربتي إلى وضع بعض المفردات من الأبواب في تماثيلي ، وأدخلت من جانب آخر بعض مفردات تماثيلي في الأبواب التي أصنعها ، وكل باب يحمل شكلاً مغايراً يختلف عن الباب الآخر ، هدفي هو توجيه الأنظار إلى إمكانية الاستفادة من الموروث الحضاري وإعطائه شكلاً جديداً يحمل الحداثة والمعاصرة .. إني لم أقتطع أي تفصيل من أي باب قديم وأضعها في عملي ، ولم أنقل (مفردة) جزئيات سابقة من أي باب إلى آخر .
× بمن تأثرت من الفنانين العالميين وما شكل ذلك التأثير ، وهل استمر ذلك حتى مراحل متقدمة من تجربتك الفنية ؟
· في بداية عملي لم أتأثر بأحد من الناس بل كنت أقلد أو أستفيد من التماثيل الموجودة في كتاب (رودان) الذي أرسله لي أخي من باريس ، ثم بعد دخولي إلى معهد الفنون الجميلة ومجيء النحات الكبير(جواد سليم) حاولت أن أتأثر بتماثيله التي علمت فيما بعد إنه متأثر بهنري مور فيها .

× كيف تقتنص فكرة التمثال او النصب وتجسدها في عمل نحتي ؟

· لست نساخاً ينقل الأساطير والحكايات ويجسدها في تماثيل ونصب خرافية، إني أعيد قبل أي شيء صياغة الحكاية الأسطورية بتقنيات ساحرة تفيض بالجمال والانسجام وتحفز في أعماق الناس روح المغامرة وتفجر فيهم قوة الخيال والشعور بتحدي المستحيل وإدراك معنى الأمل ، فأنا أنحت الأفكار أولا .

الجنية والصياد

كنت ألتفت إلى المنحوتات التي تضمها إيطاليا سواء في شوارعها وساحاتها العامة أم في متاحفها فأجدها تماثيل شخصيات وتماثيل لخدمة الكنيسة أو تماثيل مستوحاة من القصص والأساطير الرومانية أو الإغريقية ، والتي هي بالتالي متأثرة بأساطيرنا وقصصنا سواء البابلية منها أم الآشورية أو الإسلامية المتأخرة - أجواء ألف ليلة وليلة مثلاً - وخلق عندي هذا الإدراك الذي تفتحت عليه عيناي إحساسا بالقدرة على أن أخوض تجربة مماثلة في محيطي ومن تراثي ، فبدأ ذهني يستوعب القصص ويشكلها على نحو خاص ، ومنذ أن كنت في روما بدأت أعيد قراءة ألف ليلة وليلة كما قرأت حضارة وادي الرافدين وآدابها .
× هلا تعرفنا على تقييمك - كنحات كبير- للنحت العراقي الحديث ؟ وهل استطاع النحاتون العراقيون أن يقدموا إضافات مهمة لعملهم بعد مرحلة جواد سليم ؟
· لم يلتزم النحاتون العراقيون بفكر واضح ، وساعدهم على ضياعهم هذا مسايرة ما تطلبه الدولة التي أشغلت النحاتين في الكثير من الأعمال في أسلوب العمل الواقعي ، فلا متابعة لأسلوب جواد سليم ولا بحث جديد ولا أسلوب جديد في أعمالهم ، كما أن تشجيع البعض لتقليد الأعمال النحتية الأوربية من خلال المجلات والكتب وسير الكثير من النحاتين في هذا الدرب السهل باسم الحداثة والمعاصرة وغياب النقاد أو المراقبين لسير حركة النحت وصعوبة نشر النقد الموجه للنحاتين في الصحف بالشكل الصحيح .. كل ذلك لم يجعل النحاتين يقدمون إضافات مهمة للنحت في العراق ، وصار الجو مناسباً لكل نحات أن ينقل عن نحات أوربي ولا أحد يوجه له النقد او يقول له: أنت حرامي !!
× من من النحاتين العرب يعجبك عمله ، ومن منهم تأثر بأسلوبك ؟
· النحاتون العرب قلائل جداً والمستمرون في النحت منهم أقل ، وأعتقد إن هناك من تأثر بعملي من خلال المعارض التي كانت تقام في بغداد أو مشاركاتي في المعارض خارج العراق في الأقطار العربية .. ولكن يعجبني عمل نحات عربي اسمه (آدم حنين) وهو مصري مقيم خارج مصر .
× بالمناسبة ، ما هي أهم المعارض التي أقمتها خارج العراق ؟
· المعارض الشخصية التي أقمتها كثيرة والمعارض المشتركة التي ساهمت بها أكثر ، فقد أقمت معارض شخصية في مدينة باليرمو – صقلية – بإيطاليا في مارس 1958 عرضت فيه 23 قطعة من السيراميك الملون ، وبعد أيام قليلة جداً من ذلك المعرض أقمت معرضاً آخر في قاعة ( ماركوتسيما ) في روما عرضت فيه 30 تمثالاً من الخشب والبرونز ثم بعد أيام قليلة أقمت معرضاً شخصياً آخر للنحت في قاعة أوتيل باريس في سان ريمو عرضت فيه 30 تمثالاً من الخشب والبرونز ، وفي يونيو 1959 أقمت معرضاً شخصياً للنحت في قاعة ميريكا في روما احتوى على 30 تمثالا من الخشب ، وفي مارس 1963 أقمت معرضاً شخصياً للنحت في قاعة ( وان ) ببيروت ضم 23 تمثالاً من الخشب والبرونز والنحاس ، وفي أبريل 1981 أقمت معرضاً شخصياً للنماذج البرونزية البارزة في قاعة المركز الثقافي في لندن ضمّ 85 تمثالاً من البرونز ، وفي أكتوبر 1991 أقمت معرضاً شخصياً للنحت في قاعة المركز الثقافي في عمان ضمّ 26 تمثالاً من الخشب والبرونز .. أما المشاركات العالمية او المعارض المشتركة خارج العراق فقد جرت في مارس 1955 في نيودلهي في الهند وفي قاعة لافونتانلا في روما وفي مايو 1956 في معرض ماركوتا في روما مع الرسام تاتو ، ثم شاركت في معارض شارع ماركوتا الموسمي الرابع والسادس والثامن والتاسع في روما ومعارض أخرى كثيرة كان آخرها في قاعة الكوفة بلندن في سبتمبر 1988 في معرض تكريمي لجواد سليم .
× وما آخر معرض أقمته ، وما جديده ؟
· المعرض الاستعادي الذي قدمت فيه 800 تمثال بين صورة وتمثال وتخطيط وهو أشبه بالمعرض الدائم في قاعة كبرى من قاعات بغداد .
× وهل في نيتك إقامة معرض جديد خارج العراق ؟
· أنجزت مؤخراً مجموعة تماثيل من الخشب والبرونز بحجوم صغيرة بلغ عددها ثلاثون تمثالاً ، ويدور موضوع هذه التماثيل حول الأمومة والطفولة في العراق وتأثير الحصار عليهما ، وتجسيد ما يعانيه الأطفال بسبب قلة الغذاء وشحة الدواء ، وسيتم نقل هذه التماثيل إلى روما ونابولي لعرضها في معرض خاص تقيمه منظمة أصدقاء العراق في إيطاليا ، وسألقي على هامش هذا المعرض محاضرات عن الفن العراقي في روما ونابولي تعرض خلالها شرائح عرض مصورة (سلايدات) عن الفن العراقي.


¨ محمد غني حكمت - بطاقة شخصية
¨ ولد في بغداد في 20/4/1929.
¨ تخرج في معهد الفنون الجميلة – فرع النحت في بغداد 1952 – 1953.
¨ ساهم في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث 1/1/1951.
¨ غادر بغداد متمتعاً بزمالة دراسية إلى روما لدراسة النحت في 19/2/1955.
¨ حصل على دبلوم شرف وجائزة (ميدالية فضية) عن معرض فيامارتوكا في روما في 30/8/1959.
¨ حصل على شهادة التخرج في أكاديمية الفنون الجميلة في روما 19/10/1959.
¨ حصل على شهادة تخرج من معهد ميكالوجي في بستويا لصب البرونز في 30/10/1961.
¨ عُيّن رئيساً لفرع النحت في أكاديمية الفنون الجميلة في 2/7/1977 وما زال كذلك.


الزائرون

أرشيف المدونة الإلكترونية